=================================
( هل هذه الدعوى مسلّم لها ؟! )
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله
.
------------------------------------
أما بعد، قال الحافظ ابن عساكر ( ت 571 هـ ) في " تاريخ دمشق " : قرأت في كتاب
أبي الفرج علي بن الحسين بن محمد الكاتب : أخبرني عمي الحسن ابن محمد، نا أحمد
بن الحارث، نا المدائني، حدثني أبو عمران بن عبد الملك بن عمير، عن أبيه وحدثنيه
عوانة أيضاً قال : صنع عبد الملك بن مروان طعاماً فأكثر وأطاب ودعا إليه الناس
فأكلوا، ... ( فقال عبد الملك بن مروان لرجل من بني عذرة ) : هل لك علم بالشعر ؟
قال : سلني عما بدا لك يا أمير المؤمنين، قال : أي بيت قالت العرب أمدح ؟
قال : قول جرير :
ألستم خير من ركب المطايا ...... وأندى العالمين بطون راح
قال : وجرير في القوم، فرفع رأسه وتطاول لها، قال : فأي بيت قالته العرب أفخر ؟
قال: قول جرير :
إذا غضبت عليك بنو تميم ......... حسبت الناس كلهم غضابا
قال : فتحرك جرير، ثم قال : أي بيت أهجا ؟
قال : قول جرير :
فغض الطرف إنك من نمير ....... فلا كعباً بلغت ولا كلابا
قال : فاستشرف لها جرير، قال : فأي بيت أغزل ؟
قال : قول جرير
إن العيون التي في طرفها حور ....... قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
قال : فاهتز جرير وطرب، ثم قال له : فأي بيت قالت العرب أحسن تشبيهاً ؟
قال : قول جرير :
سرى نحوهم ليل كأن نجومهم ....... قناديل فيهن الذبال المفتل
فقال جرير : جائزتي للعذري يا أمير المؤمنين، فقال له عبد الملك : وله مثلها من بيت
المال، ولك جائزتك يا جرير لا ننقص منها شيئاً . اهـ .
قال أبو معاوية البيروتي : ويتكرر ذكر هذه الدعوى في الكتب كثيراً، لكن هل هذه
الدعوى مسلّمٌ لها عند أهل الشعر ؟
فمن الذين لم يسلّموا بهذه الدعوى في أرق بيت شعر قالته العرب :
- قال محمد بن سلام الجمحي ( ت 232 هـ ) في " طبقات فحول الشعراء " : سألت
الأسيدي أخا بني سلامة عنهما ( أي عن جريرٍ والفرزدق ) فقال : بيوت الشعر أربعة
فخر ومديح ونسيب وهجاء وفي كلها غلب جرير؛
في الفخر في قوله :
إذا غضبت عليك بنو تميم ... حسبت الناس كلهم غضابا
وفي المدح قوله :
ألستم خير من ركب المطايا ... وأندى العالمين بطون راح
وفي الهجاء قوله :
فغض الطرف إنك من نمير ... فلا كعباً بلغت ولا كلابا
وفي النسيب قوله :
إن العيون التي في طرفها مرض ... قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
,وإلى هذا يذهب أهل البادية .
.
قال أبو عبد الله محمد بن سلام : وبيت النسيب عندي
فلما التقى الحيان ألقيت العصا ... ومات الهوى لما أصيبت مقاتله
قلت للأسيدي : أما والله لقد أوجعكم - يعني في الهجاء -، فقال : يا أحمق أو ذاك يمنعه
أن يكون شاعراً . اهـ .
- قال ابن الجوزي في " المنتظم " في ترجمة " مسلم بن الوليد الأنصاري / ت 208 ه
ـ " الملقّب بصريع الغواني : بلغنا أن أعرابيًّا دخل على ثعلب ( ت 291 هـ ) فقال له :
أنت الذي يزعم الناس أنك أعلم الناس بالأدب ؟ قال : كذا يزعمون، قال : أنشدني أرق
بيت قالته العرب وأسلمه ؟
فقال : قول جرير :
إن العيون التي في طرفها مرض ......... قتلتنا ثم لم يحيين قتـــــــلانا
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به ....... وهن أضعف خلق الله إنسانا
فقال : هذا شعر رث قد لاكه السفهاء بألسنتها ! هات غيره، فقال ثعلب : أفِدْنا من عندك،
قال : قول مسلم بن الوليد صريع الغواني :
نبارز أبطال الوغى فنصدهم ....... وتقتلنا في السلم لحظُ الكواعــــــب
وليست سهام الحرب تفني نفوسَنا ...... ولكن سهامٌ فوقتْ في الحواجب
فقال ثعلب : اكتبوها على المحاجر ولو بالخناجر !! اهـ .
قال أبو معاوية البيروتي : ومِنَ الذين لم يسلّموا بهذه الدعوى في أفخر بيت شعر قالته
العرب :
- قال الحسن بن رشيق القيرواني ( ت 463 هـ )
في ( العمدة في محاسن الشعر وآدابه ) :
قال دعبل بن علي:
أفخر الشعر قول كعب بن مالك:
وببئر بدر إذ يرد وجوههم ... جبريل تحت لوائنا، محمد
وقال الحاتمي: قول الفرزدق:
ترى الناس إن سرنا يسيرون خلفنا ... وإن نحن أومأنا إلى الناس وقفوا
قال: ويتلوه قول جرير:
إذا غضبت عليك بنو تميم ... حسبت الناس كلهم غضابا
وقال آخرون: بل بيت الفرزدق:
ونحن إذا عدت معد قديمها ... مكان النواصي من وجوه السوابق
وقال غيرهم: بل قوله لجرير:
وإذا نظرت رأيت فوقك دارماً ... والشمس حيث تقطع الأبصارا
وقيل: بل قول ابن ميادة واسمه الرماح بن أبرد :
ولو أن قيساً قيس عيلان أقسمت ... على الشمس لم يطلع عليك حجابها
قال أبو معاوية البيروتي : ومما قيل في أهجى بيتٍ قاله شاعر :
- قال الحسن بن رشيق القيرواني ( ت 463 هـ ) في " العمدة في محاسن الشعر وآدابه
" : يقال: إن أهجى بيت قاله شاعر قول الأخطل في بني يربوع رهط جرير:
قوم إذا استنبح الأضياف كلبهم ... قالوا لأمهم: بولي على النا ر
ر
لأنه قد جمع فيه ضروباً من الهجاء : فنسبهم إلى البخل بوقود النار لئلا يهتدي بها
الضيفان، ثم البخل بإيقادها إلى السائرين والسابلة، ورماهم بالبخل بالحطب، وأخبر عن
قلتها وأن بولة تطفئها، وجعلها بولة عجوز، وهي أقل من بولة الشابة، ووصفهم بامتهان
أمهم وابتذالها في مثل هذه الحال، يدل بذلك على العقوق والاستخفاف،
وعلى أن لا خادم لهم، وأخبر في أضعاف ذلك ببخلهم بالماء .
نقلا عن : ملتقى أهل الحديث : منتدى اللغة العربية وعلومها
-------------------------------------------------
هل تريد أن يُبارَك لك في علمك ؟
قال الإمام الألباني : قال العلماء : (من بركة العلم عزو كل قول إلى قائله )، لأن في ذلك
ترفّعاً عن التزوير .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق